jeudi 27 août 2009

مدام كوراج

عندما أحسست بخطورة ما اقترفته بحق نفسي والمجتمع تغلبت على أهوائي وقررت، بمحض إرادتي، المجيء إلى هذا المركز أملا بالعلاج من الآفة التي أتخبط فيها منذ سنوات. كانت شلة من أصدقاء السوء أوقعوني في المحظور وهم  أنفسهم من أخبروني عن هذا المركز.. لم أتردد بالمجيء إليه عندما أحسست أن الأمور تكاد تتجاوز الخطوط الحمراء".. هكذا قال لي أحد الشباب لم يتعدى سنه 22 سنة عندما سألته عن سبب تواجده بمركز العلاج من الإدمان على المخدرات بولاية البليدة (50 كلم جنوب الجزائر العاصمة).
ومضى مستطردا:"  المخدرات دارت فينا حالة، وأنا أنصح جميع المدمنين أن يتخلوا عنها لأنها طريق السوء والبداية بالمجيء إلى هذا المركز،، فهو إن لم يمنحك كل العلاج فعلى الأقل يمنحك نصفه".
قبل عشر سنوات.. لم يكن المركز شيئا مذكورا وكان المئات من المدمنين يجدون في شلل السوء وعصابات المنحرفين طريقا لا خلاص منه، وعندما قررت وزارة الصحة في عام 1996 إنشاء المركز  ضمن استراتيجية الدولة للتكفل بالمدمنين على المخدرات، أو هكذا يبدو، تحول المركز إلى قبلة لعشرات بل مئات من المدمنين الباحثين عن علاج للآفة الخطيرة. 
وفي أقل من عشر سنوات يكاد المركز يضيق بمن فيه بسبب تجاوز طاقة استيعابه في الوقت الذي يشهد توافد للمدمنين من جميع أنحاء البلاد على الرغم من أن الوزارة أعلنت أنها أنشأت بالعام 1997 مركزا آخر بسيدي شحمي بوهران،  ثم مراكز وسيطة للتكفل بالمدمنين بولايات سطيف وعنبة وتيزي وزو ومركز إصغاء بباب الوادي (الجزائر العاصمة) إلا أن العبء الأكبر يقع على مركز البليدة االذي وجد نفسه خلال عام 2005 يستقبل نحو 3755 مدمنا خضعوا ، حسب مدير المستشفى الجامعي للبليدة، للفحص من بينهم  1230 مدمنا خضعوا للعلاج بالإقامة بالمركز لفترات متفاوتة. ويوشك أن يرتفع العدد خلال العام الجاري.. فقد أحصت المصالح المختصة بالمركز نحو 3016 مدمنا خضعوا للفحص والعلاج حتى نهاية شهر نوفمبر الماضي بينهم 825 مدمنا خضعوا للعلاج المكثف  بالمركز.
العلاج حر..
لأن المركز بات قبلة للمدمنين الراغبين بالعلاج من آفة المخدرات، فإن نظاما وضعته إدارة المركز يهدف إلى التكفل بالوافدين عليها من المدمنين. يقول الدكتور مصطفى درقيني، طبيب الأمراض النفسية، أن "العلاج بالمركز حر".
ويمضي قائلا إن المدمن لديه كل الحرية باختيار طريقة العلاج. إما  اختيار الإقامة داخل المركز لتلقي العلاج النفسي والطبي والاجتماعي وغيره، ومدة الإقامة 21 يوما لكن أغلب المدمنين يفضلون الخروج بعد أسبوعين على أكثر تقدير. وفي. أما في حالة اختياره العلاج بعيدا عن المركز وفي هذه الحالة يمنح الدواء المناسب لحالته على أن يتم الإطلاع على وضعيته بعد فترة معينة قد تكون أسبوعين أو شهرا.
ويضيف المتحدث أن الراغبين بالعلاج داخل المركز  أغلبهم يتمتعون بإرادة قوية وعزيمة فولاذية للعلاج والتخلص من هذه الآفة، وفي هذه الحالة فإن الاستعداد الذاتي للعلاج يساعد بـ50 بالمائة على  نجاح المهمة وتحقيق العلاج. أما إذا لم يبدى المدمن أي استعداد للعلاج وتناول الدواء فإنه لن يشفى أبدا حتى لو خضع للعلاج من اشهر الأطباء بالعالم.
ويقول المتحدث إن كيفية الحضور إلى المركز تختلف من مدمن لآخر، فبعضهم يحضر بمحض إرادته وهو يمثل أقصى درجات مقاومة النفس والأهواء، و يحضر البعض الآخر برفقة أفراد من عائلاتهم على حين يحضر الأغلبية بتوصية وتوجيه من أطباء مختصين أو مراكز صحية.
ولان العلاج بالإقامة داخل المركز تمثل  هدفا للمتغلبين على أهوائهم ونفسيا تهم المضطربة فإن المدمن يخضع للعلاج بحسب طبيعة ودرجة الإدمان على المخدر. إذ تبدأ عملية العلاج، عادة، عبر فحص المريض أولا للكشف عن مدى إصابته بأمراض أخرى قد تساهم بانتقال العدوي على غرار أمراض السيدا والسيفلس أو الإلتهاب الكبدي بأنواعه، وعندها يخضع لأنواع من العلاج خلال فترة لا تتجاوز 21 يوما.
ويتناوب على علاجه أطباء نفسانيون ومختصون في طب النفسي العيادي وأطباء عامون وممرضون وغيرهم. ويتكون الفريق الطبي للمركز من  رئيس المصلحة وهو البروفيسور ريدوح و4 أطباء نفسانيين و5 مختصين بالطب النفسي العيادي و12 عون شبه طبي.
ويخضع المدمنون المقيمون بالمركر، يقول المتحدث، إلى أنواع من العلاج إما فرديا وإما جماعيا وإما علاجا سوسيولوجيا. وفي الحالة الأولى فإن المدمن في حال ثبت عليهم إنطواؤهم على أنفسهم وتفضيلهم للعزلة تمنح له في هذه الحالة، يضيف، كامل الحرية للبوح عن مشاكله ومعاناته أمام أطباء نفسانيين ومختصين بطب النفس العيادي وسوسيولوجيين وغيرهم، في حين فإن العلاج الجماعي يتم عبر تجميع عدد من المدمنين فيما بينهم وتركهم يبوحون بأسرارهم ومشاكلهم بينهم على أن يكون الطبيب المعالج حاضرا معهم يستمع لهم.  
العائلة بداية الإنحراف..
ويمثل هذا علاجا نفسيا وإن كان مهما جدا، حسب الطبيب المتحدث، إلا أنهم يتلقون أيضا أدوية أغلبها مهدئات ومسكنات وأخرى مضادات للآلام والأوجاع وأمراض أخرى. وبالموازاة مع ذلك يحرص لطاقم الطبي على تلهية المدمن عبر السماح له بالخروج إلى ساحات المركز أو الذهاب إلى بعض الوحدات كالقاعة الرياضية أو المقهي وغيرها ضمن علاج يعد أساسيا رغبة من الأطباء بعدم تركه يشعر بالفراغ أو الوحدة.
وفي تقييم لمختلف الاسباب التي دفعت بالمدمنين إلى دخول عالم الإدمان على المخدرات، لم تتردد الدكتورة برنجة، وهي طبيبة عامة، في حصرها في المشاكل الإجتماعية، والعائلية علو وجه االتحديد.  وتقول إن حالات التشتت الإجتماعي من خلال الطلاق بين الوالدين أو عدم إهتمام الأخيرين في تربية أبنائهما والإطلاع على أحوالهما داخل وخارج البيت أحد أهم الأسباب التي دفعت بالشباب إلى احتراف المخدرات " لنسيان واقعهم المر والهروب منه إلى عالم لا مشاكل فيه ولا صراخات ولا صراعات أو ضرب أو غيرها من المشاكل".
لكن ذلك لا يمنع، حسب الطبيبة، من وجود أسباب أخرى موضوعية كالفراغ والوحدة الناتجين عن غياب فرص العمل والبطالة القاتلة، وأخرى ذاتية كرغبة المدمن، وأغلبهم شباب، تنطلق من فضول يتملكه بتجريب هذا العالم و"عندها لن يكون بمقدوره الخروج من هذا العالم الذي يتطلب منه كل يوم المزيد". وبعضهم يحترف الإدمان من خلال دواء وصف له من الطبيب للعلاج من مرض معين ثم يتحول لاحقا إلى إدمان قاتل أو يكون احترفه من بعض محيطيه أو لدى رؤيته من أقراد عائلته أو داخل السجن.
وتوافقها الطبيبة سعاد حداق، وهي مختصة بعلم النفس العيادي، مؤكدة أن أغلب المدمنين يتميزون بشخصية ضعيفة وعدم القدرة على مواجهة الواقع بحلوه ومره. وتضيف:" ليس من السهل تحقيق العلاج والشفاء إذا حافظ المدمن على شخصيته الضعيفة ولم يبدى مقاومة لأهوائه ونفسيا ته المضطربة". وتتابع موضحة:" رغم كل ذلك نبذل قصارى جهدنا لدفع المريض على التخلص من الإدمان لكننا لا نضمن أي شيء بعد خروجه من المركز.. فكل شيء عندئذ يتوقف على محيطه وعائلته". 
القنب الهندي في المقدمة..
ويتفق المختصون بالعلاج من الإدمان على المخدرات بركز البليدة على أن القنب الهندي، أو الكيف كما يعرف محليا، يشكل المخدر المفضل للمدمنين أو على الأقل للوافدين على هذا المركز بغرض العلاج. ولا تفسير للأمر، حسب المختصين، إلا في "قلة ثمنه" الذي يناسب الطبقة المتوسطة والمحرومة، إذ يكفي مبلغ 100 دينار للحصول على قليل منه والحصول بعدها على  لحظات من النشوة والسعادة.. غير الحقيقية. يضاف إلى ذلك، حسب المختصين دوما، سهولة الحصول عليه وتوافره بشكل "عادي وطبيعي" بجميع المدن الجزائرية وأحيائها بعد أن "تكرمت" المغرب "فأغدقت" على الجزائر بأطنان من هذه المادة المخدرة.
ويجد الأطباء المعالجون بالمركز، كما يقولون، صعوبات في توفير العلاج والأدوية المناسبة للمدمن  لأن الأخير  يتناول جميع أنواع المخدرات ولا يفرق بين مخدر وآخر على خلاف المدمنين بالغرب حيث "يتخصصون" بنوع واحد فقط من المخدرات وعندها يكون من السهل على الأطباء  توفير العلاج والدواء المناسب.
وتقول إحدى الطبيبات:" كيف نعثر على دواء لمدمن تناول الكحول والأقراص المهلوسة وأدمن على الهيروين ولم يغفل في بداية مشواره مع الآفة على تناول بعض المواد المسكرة كالبنزين والعطور ومبيد الحشرات.. كيف للطبيب أن يعالج هذه الحالات؟".
وتأتي الأقراص المهلوسة في المركز الثاني في قائمة المخدرات التي تحظى بإقبال المدمنين على غرا "تيميستا"  و"ريفوتريل" و"ديازيبام" و"لارطان" و" سوال" وغيرها.  ثم المشروبات الكحولية وأخيرا تناول بعض المواد الأخرى كـ"ديليون" و"الغراء" والعطور ومبيد الحشرات والبنزين وغيرها.
ومن المبكيات المضحكات أن اتفق المدمنون على إطلاق تسميات غريبة ومختصرة على الأقراص المهلوسة تفاديا للووقع بالمحظور أو المتابعة الأمنية. إذ احتفت الاسماء العلمية لهذه الأقراص وتحولت، في قاموس المدمنين، إلى "الحبة الزرقا" و"الحمراء" و"الخطيفة" و"لارطان" و"الرودة" و"مدام كوراج" و"6/15" و"سيليسيو".
وتكشف الإحصائيات أن الفئة العمرية بين 20 و30 سنة  تتقدم فئات المدمنين الذين توافدوا المركز للعلاج بمجموع 627 شخصا ثم  فئة 30 و40 سنة بمجموع 344 شخصا ، بينما تم إحصاء نحو 9 أشخاص تفوق أعمارهم الخمسين سنة. وبحسب ملاحظات المختصين بالمركز فإن أغلب المدمنين من الطبقات المتوسطة والمحرومة مدفوعة بمشاكله الإجتماعية وقليل منهم من الطبقة الراقية . وهذه الأخيرة أغلبهم من المغتربين لم يكن إدمانهم إلا على النوع الراقي من المخدرات كالهيروين والكوكايين وغيرها.
وبحسب أرقام قدمها المركز   فإن 660 شخصا ممن خضعوا للعلاج خلال سنة 2005   أدمنوا جميع أنواع المخدرات بينما تناول 248 شخصا القنب الهندي و218 الأقراص المهلوسة و12 شخصا تناولوا المشروبات الكحولية.
*********** 
شاب: كي نعمر راسي نشوف الناس ذبان..
اعترف شاب من الجزائر الوسطى بالجزائر العاصمة (…) التقته "الخبر"، أول أمس بمركز البليدة، أنه أخطأ السبيل مرتين عندما أدمن على المخدرات ثم احترفها عندما أدمن الهيروين أعلى درجات الإدمان كما قال. وفي تفسيره للأمر أوضح الشاب الذي لم يتجاوز 22 سنة، إنه استغل فترة تواجده بمفرده داخل منزله المنهار إثر زلزال 2003 على إدمان الهيروين بعد تلقيها من أحد أصدقائه. وبعدها تحول إلى إدمان حقيقي لا يمر يوم دون أن أحصل عليها من أحد الأفارقة المقيمين بباب الزوار مقابل مبلغ 1000 دينار الذي يحصل عليه من الأهل حينا ومن أصدقائه عبر الإستلاف أحيانا كثيرة.
ويمضي مستطردا:" إنه تناولها في البداية عن طريق الاستنشاق ثم ما لبث أن تناولها منذ 3 أشهر عن طريق الحقن وهي الطريقة الناجعة، حسبه، بخلاف الطريقة الأولى لكنها أكثر إيلاما وخطورة خصوصا على الأوردة الدموية.
ويضيف أن أحد أصدقائه وبسبب اختفاء أوردة اليد والذراعين لجأ إلى حقن نفسه تحت الإبطين أو خلف الأذن.. المهم، يقول، حيثما كان الوريد الدموي كان هدف المدمن لتناول الحقنة. ويكشف أن تناول حقنة من الهيروين تتطلب منه "دعمها" بشيء من "الكيف" أو التدخين في أسوأ الأحوال. ويقول:" أضطر في عقب كل عملية حقن بالهيروين إلى تناول الكيف أو 10 سجائر على الأقل، وفي هذه اللحظة أشعر بسعادة وضحك حتى من غير سبب وأعيش عالما خاصا بي وألجأ إلى تناول الحلويات والمرطبات ومشروب كوكا كولا".
ويقر المتحدث أن العملية كلفته نزيفا ماليا وصحيا كبيرا إذ تدهورت صحته وأثار مشاكل مع عائلته، وبات بحاجة لتناولها بأي وقت ما دفعه إلى البحث عن علاج مناسب. "وفي أول فرصة لاحت أمام سمعت خلالها عن هذا المركز لم أتردد في المجيئ إليه، وأنا اليوم هنا منذ سبعة أيام أشعر براحة تامة وأسال الله أن يشفيني من هذه الأفة القاتلة".
أما الشاب ح . ي (24 سنة) من منطقة الأربعاء بالبليدة فأرجع سبب دخوله عالم الإدمان منذ العام 1998 إلى تأثره بمجازر الإرهاب التي كانت تميز المنطقة فضلا عن بعض المشاكل العائلية. وقال إنه كان يتناولها من أجل أن ينسى مناظر المجازر والقتل والتنكيل وبالتالي الهروب من واقع مر ومؤلم إلى عالم لا يعرف كنهه إلا هو.
وعلى عكس صديقه يتفي الشاب إدمانه على الهيروين لأنه يدرك جيدا، كما يقول، خطورتها وتأثيرها على الصحة، بل أدمن الكيف والحبوب المهلوسة التي تنتشر، كما أضاف، بشكل عادي وطبيعي بالسوق السوداء مقابل 400 أو 600 دينار أو 100 دينار في أسوأ الأحوال يدفعها يوميا للحصول عليها ليعيش لحظات من السعادة الوهمية.
ورغم ذلك يقر أنه ارتكب بسبب هذه الأقراص حماقات كبرى فاعتدى على أحد أشقائه يكبره سنا ما اضطر الأخير إلى الإبتعاد عن الأهل بسببه. ويقول:" عندما أتناولها أشعر بالخلوة والحاجة للأكل والنوم". ويمضى مؤكدا أنه عندما يتناول الحبوب المهلوسة لا يقيم وزنا لأحد ولا يبالي بأحد. يقول:" عندما أتناول الحبة الحمراء، أو مدام كوراج كما تسمى بهذا الوسط، تمنحنى شجاعة لا توصف فتدفعني لاحتراف السرقة للحصول على الأموال. وتجعلني أرى الناس كأنهم ذباب لا آبه بأحد حتى لو كان أمامي شرطي وقد أشهر بوجهي السلاح ولا أتردد في الإعتداء عليه أو سرقته..".
ويعترف الشابان أنهما سلكا طريقا خطأ ويدعوان جميع المدمنين إلى الإقلاع عن الإدمان بالتوبة إلى الله واللجوء إلى هذا المركزلأنه، يقولان، طريق كل الشرور لكنهما طالبا بمحاكمة مروجي المخدرات ومستورديها من الخارج. ويقولان:" نعم سلكنا طريق الخطأ، ونسأل الله أن يشفينا ويعافي جميع المدمنين، لكننا في الحقيقة لسنا سوى ضحايا لأباطرة المخدرات. إننا نطالب الدولة بمحاسبة أباطرتها ومستورديها.. فهم السبب وهم من يتحمل المسئولية في تحويل ألاف الشباب الجزائري إلى ضحايا".

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire